الثنائيات، إلى أين؟ (كتب بتاريخ 18 أبريل 2025 )

   في هذا المساء، ممتلئة بالحنين لأشياء ملكتها و أشياء لم أملكها يوماً، أشعر بانعدام فظيع في الرغبة تجاه أي شيء وكل شيء. "لا شيء يعجبني" كما قال محمود درويش. "لا الراديو ولا صحف الصباح ولا القلاع على التلال أريد أن أبكي". لا أنا قادرة على هذا الفراغ العريض، و لا أنا قادرة على ملئه بأي شيء. أجلس فقط و أنا اتخيل انني ربما غداً أملك الطاقة لفعل ما يجب فعله. و ما هو ما يجب فعله؟ هل من المنطقي الإقدام على العمل بمجال لا يقدم لي أي نوع من أنواع الشعور بالإنجاز فقط لأنني أملك الشهادة الجامعية؟ أم يجب عليَّ أن أواصل بحثي عن ما يجب أن أفعله بشغف، بحب، و برضا. بتُّ أظن أن المشكلة ليست أنني لا أعلم ما هو هذا الشيء، و لكنني أخاف أن أعلم. أخاف أن أقرر أن هذا هو مساري المهني في الحياة، لأنني لطالما شعرت أنني سأفعل شيئاً مهما. و سأكون شيئاً مهماً، في نظر نفسي و لا أحد آخر. أخاف أن أُقدم على ذلك، ثم أفشل. أفكر كثيراً، ربما بإمكاني أن أكتب، أو امتهن الموسيقى فلطالما شعرت أنها تملكني منذ ولادتي ولا مهرب لي منها سوى إليها. 


أو ربما يمكنني أن أعود لبلدي، لا يهم ما سأفعله هناك كمصدر دخلٍ مادي، يمكنني فعل أي شيء يمكنّني من البقاء على قيد الحياة بينما أفعل الأشياء الأخرى التي أعلم جيداً أنها ما يجب عليَ فعله. أريد أن أجعل و لو ثلاث حيوات فقط أفضل. أريد أن أكون صوت الحق، و المدافعة عمَّن لا مدافع له. 


تُرِكتُ مع مشاعر محدودة جداً. خوف، تعب و إرهاق بجميع أنواعه. تشاؤم، حنين، إحساس بالذنب، إحساس بالعجز، سعادات لحظية عابرة، شعور بالامتنان، للأشخاص والأشياء التي ساعدتنا أن نتحمل كل شيء، و بعض التقدير لليوم العادي إن وُجد.

أصبحت العلاقات عبارة عن صراع للبقاء، أصارع نفسي و رغبتي القاتلة في الانعزال لأحافظ على ما تبقى من علاقات. لأنني و برغم كل الدمار بداخلي ما زلت أحبهم، جداً.


كما أن هناك صراعٌ من نوعٍ جديد. أصبحتُ بصورة يومية اتأرجح بين رغبتي في أن أكون بطل قصيدة "ما عملش حاجة تستحق الذكر" لمصطفى ابراهيم. ذلك "المواطن العادي مضموناً و شكلاً" و بين أنني أريد أن أفعل أشياء كبيرة، و كثيرة، أريد أن أصنع فرقاً. استيقظ يوماً و أنا أنظر لحياتي برضاً شديد، أقول لنفسي "لا أريد أكثر من هذا"، حياة عادية جداً فيها بعض الأحباء. أخواتي، صديقاتي، و أمي التي لم أرها منذ ما يقارب السنتين، و لا أتحدث معها كثيراً، لكنني أذكرها كلما أضع كوب الشاي أمامي. لن استطيع تغيير أي شيء في كل الأحوال. و أرى نفسي كتلك الصورة التي أحبها لرجل سوري كبير بالسن تهدم منزله، يجلس بين الحطام مع مشغل موسيقى و كوب شاي (أو ربما قهوة).



استيقظ اليوم الذي يليه على صوت محمود درويش و هو يقول لي أنا بصورة شخصية "وأنت تعد فطورك، فكر بغيرك.لا تنس قوت الحمام.وأنت تخوض حروبك، فكر بغيرك.لا تنسَ مَنْ يطلبون السلام" لأشعر مباشرة بالذنب الفادح، كيف نسيتهم؟ كيف لم أفكر بهم بالأمس؟ ثم أنني - بغرور شديد و مفاجئ - لا يمكنني أن أكون ذلك الشخص الذي لا يحمل أحلاماً كبيرة لنفسه وللعالم. لا بد أن أصير موسيقية كبيرة، أو كاتبة أكبر. و أثناء تحقيقي لذلك، لا بد أن أكون التغيير الذي أريد أن أراه في العالم كما قال غاندي.

أفكر بهذه الطريقة، بينما استجمع آخر ما أملك من طاقة لأستطيع القيام من سريري و تنظيف أسناني و عمل كوب شاي. يا للطموح! نظفي هذه الغرفة ثم فلتحلمي بتغيير حياتك و تغيير العالم إن شئتِ.

و بما أن عقلي اليوم مليء بالاقتباسات، ومِن ثَم كتابتي، سأختتم هذه الفقرة بقول أحمد بخيت "من عاش يحتمل الحياة كمحنةٍ، أبت الحياة عليه أن تتحمله".


Comments

Popular posts from this blog

أيام الحرب الأولى (في وقت ما بين 15 مايو و حتى 30 يونيو من 2023)

يوم في حياة الطفلة التي هي أنا (كُتب بتاريخ 3 مارس 2022)

الرضا في عصر الرأسمالية (بتاريخ 30 أبريل 2025)